محمد بغدادي: الأساليب الإدارية الحديثة والإسلام

مقدمة
ليس الإسلام بعيداً عن الإدارة ، فمن صميم الدين الحنيف استخدام الإدارة في المجالات والحقول المختلفة، كما أن هناك علاقة وطيدة بين الإدارة والشريعة الإسلامية، فقد أشار القران الكريم إشارة واضحة بكلمة الإدارة في قوله تعالى: {إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَ‌ةً حَاضِرَ‌ةً تُدِيرُ‌ونَهَا بَيْنَكُمْ} [البقرة:282] وفي حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى يدير الرجل أمر خمسين امرأة». الإدارة ظاهرة ترافق وجود المجتمعات السياسية، فحيث يوجد مجتمع سياسي منظم توجد الإدارة. وهناك من يذهب إلى أن الإدارة قد بدأت في الصين، إذ أن الصينيين هم أول من اشترط اختبارات معينة بالنسبة للمرشحين للدخول في الوظائف الحكومية حتى يتم تعيينهم، أي أنهم أول من أخذ بنظام الجدارة للتعيين في الوظاثف العامة.
أولاً: أدوات الإدارة في الإسلام
ولقـد أظهـر التاريخ أن توافر أهداف وسياسات واضحة للدولة لا يكفي لنجاحها، بـل أن معيار النجاح والفشل، إنما يتوقف إلى حـد بعيـد علـى قدرة الإدارة القائمـة على تنفيذ هذه الأهداف والسياسات . حيث أن أدوات الإدارة الرئيسية وهي: 1-التخطيط. 2-التنظيم. 3-التوجيه. 4-الرقابة. فضلًا عن بعض النظم والأساليب الفرعية الأخرى المستمدة من القرآن الكريم، ومن سنة القائد الإداري الحكيم، عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، ولنستعرض بعض الأمثلة على هذه الأدوات الأربعة (والمسماة بوظائف العملية الإدارية): 1) التخطيط: وهو عبارة عن عملية فكرية تعتمد على المنطق والترتيب والتقدير والمرونة وإيجاد البدائل، ومن شواهده في القران قوله تعالى على لسان نبيه يوسف عليه السلام: {قَالَ تَزْرَ‌عُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُ‌وهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ . ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تُحْصِنُونَ . ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُ‌ونَ} [يوسف:47-49]. وبهذا التوجيه القرآني الذي هدى الله إليه يوسف عليه السلام، فإن المسلم ملزم بالتخطيط المستقبلي لتفادي النكبات والأزمات التي قد تحيط بالأمة في كل مجال. ومن الأحاديث النبوية الدالة على التخطيط والعمل لتفادي تقلبات المستقبل حتى يحمي الإنسان نفسه ومن تحت ولايته قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر الصديق رضي الله عنه: «ولئن تدع أبنائك أغنياء خير من أن تدعهم فقراء يتكففون الناس» (مسلم:435)، وأيضًا قوله للأعرابي الذي ترك ناقته عند باب المسجد دون أن يعقلها: «اعقلها وتوكل» (حسنه الشيخ الألباني)، وفي هذا الحديث إشارة للإداري المسلم بأن يربط التوكل على الله بالاحتياط والتخطيط الذي لا يتنافى مع التوكل ولا مع القضاء والقدر. 2) التنظيم: وهو بيان وتحديد الهيكل الذي تنتظم فيه علاقات السلطة والمسئولية وهو كيان حي متحرك ولا بد من إعادته ليتلاءم دائمًا مع المتغيرات الداخلية والخارجية، وهو ما جاء به الإسلام قال تعالى: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَ‌حْمَتَ رَ‌بِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَ‌فَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَ‌جَاتٍ} [الزخرف:32]. وهذا غاية في التنظيم، فهو تنظيم الكون والحياة بأجمعها(1).
كما أن قدوم النبي صلى الله عليه وسلم أولى خطوات التنظيم وهي المؤاخاة حيث قال: «تأخوا في الله أخوين أخوين» (من العلماء من ينكر ذلك ويمنع صحته) فآخى بين المهاجرين والأنصار ليكونوا نواة لتنظيم المجتمع. 3) التوجيه: وهو القدرة على السير الصحيح مع الموظفين، وهدايتهم وتوجيههم مع إيجاد روح الود والحب والرضا والانتماء للعمل، ولقد اعتنى الإسلام بالتوجيه وأولاه رعاية خاصة لشحذ الهمم، فمن ذلك قوله تعالى: {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159]. وهذا توجيه أعلى للقائد والحاكم، وكذلك قوله تعالى: {وَأَن تَعْفُوا أَقْرَ‌بُ لِلتَّقْوَىٰ ۚ وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة:237]. وهذا توجيه عام للمحكومين والعامة. 4) الرقابة: وهي عملية ملاحظة نتائج الأعمال التي تسبق تخطيطها ومقارنتها مع الأهداف التي كانت محددة واتخاذ الإجراءات التصحيحية لعلاج الانحرافات، وهي غاية الأمر ومنتهاه، فبعد التطبيق الكامل يأتي دور التأكد من أن تنفيذ الأهداف المطلوب تحقيقها في العملية الإدارية تسير سيرًا صحيحًا حسب الخطة والتنظيم والتوجيه، ولعل الإداري المسلم المؤمن هو المدرك حق الإدراك حقيقة الرقابة والعمل على إنفاذها سواءً على نفسه أو على غيره، ومن شواهد الرقابة في القران الكريم قوله تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَ‌ى اللَّـهُ عَمَلَكُمْ وَرَ‌سُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَ‌دُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [التوبة:105]. وقوله عز وجل: {مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَ‌قِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18]. ومن السنة النبوية حديث جبريل عليه السلام: «…فأخبرني عن الإحسان؟ فقال صلى الله عليه وسلم: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك…» الحديث (صحيح البخاري)، وهذا من أعظم أنواع الرقابة الذاتية وهنا يتفاضل الناس فليس فقط بمقدار ما يحملونه من (علوم) الإدارة بل أيضًا بمقدار ما يُجيدونه من (فنونها) وأساليب تطبيقها(2).
ثانياً:سمات الإدارة في الإسلام
إذا كانــت الدولــة المتقدمــة قــد تقــدمت لأســباب متعــددة أهمهــا الاعتماد الأساسي على الإدارة العلمية المحترفة، فـإن المنظمـات العامـة في الدول النامية هي التي تدير عملية التنميـة مـن الأصـل بمعنـى آخـر فـإن حاجـة الـدول الناميـة إلـى الإدارة تفـوق حاجـة الـدول المتقدمـة إليهـا على عكس ما يتوقع الكثيرون كما يقـول بيتـر دركـر الأب الروحـي لعلـم الإدارة الآن . تتميز الإدارة في الإسلام بالعديد من السمات، منها: ارتباط الإدارة بالنظرة الاجتماعيّة للمجتمع المسلم، حيث ترتبط بأخلاقيات وقيم المجتمع الإسلاميّ. الاهتمام بالمتغير الاقتصاديّ والحافز الماديّ، والحرص على إشباع حاجات الفرد الفسيولوجيّة. اعتبار الشورى عنصراً أساسيّاً في الإدارة. الاهتمام بالعوامل الإنسانيّة والروحيّة، واحترام الإنسان، وإشراكه في العملية الإداريّة، ويُراعى في ذلك كلّ فرد حسب قدراته العقليّة، وإمكانياته، واستعداداته النفسيّة. الاهتمام بالنظام، والحرص على تحديد المسؤوليات، واحترام السلطة والتنظيمات الرسميّة، والهيكل التنظيميّ(3).
كما تقوم الإدارة في الإسلام على أسس راسخة، ومنها ما يأتي:عدم إمكانية الفصل بين الدين والدولة، وذلك لأنّ الإسلام هو دين ودولة معاً. اعتبار منهج الإدارة الإسلاميّة أرقى وأرفع النظم الإداريّة في مجال الإدارة. تحديد منهج الإدارة في الإسلام، واستمداده من القرآن الكريم والسنة النبويّة المُطهرة. تقود خصائص ومزايا الإدارة الإسلاميّة إلى النجاح والتقدم. مفهوم الإدارة الإسلامية لم تُذكر كلمة الإدارة في القرآن الكريم والأحاديث النبويّة بهذه اللفظة إلّا في موضع واحد، وهو قوله تعالى: (إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ) ، لكنّها ذُكرت بمعنى التدبير المرادف للإدارة، والدليل قوله تعالى: ((يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ). فالإدارة في عصر الإسلام تتطلب البحث حول النظام الإداري لعصر رسولنا الكريم محمد صلّى الله عليه وسلّم الرجوع إلى القرآن الكريم وتفسيره، والسنة النبويّة وشروحها، وكتب السير، والتاريخ، والفقه، والأدب، وغيرها من المصادر، حيث أشار القرآن الكريم إلى مجموعة من الوظائف في مكة المكرمة، ومنها: السقاية، والرفادة، والعمارة، والنسيء، والأيسار، كما أوضحت آيات القرآن الكريم إيلاف مكة المكرمة، وتجارتها قبل مجيء الإسلام، ثمّ ذكرت قواعد وأسس النظام السياسي الإسلامي المتمثلة بالشورى، والعدل، والطاعة، ثمّ نزلت الآيات القرآنيّة التي تُبيّن أحكام الأمور الماليّة، ومنها: الغنائم وتوزيعها، والجزية، والفيء، والزكاة، وغير ذلك(4).
ثالثاً: الإسلام والأساليب الإدارية الحديثة
إذا كانــت الإدارة بهــذه الأهميــة فــي المجتمعــات اليــوم، فكيــف كانـت تـدار المنظمـات والـدول قبـل ذلـك؟ والإجابـة أن الإدارة قديمـة قـدم التاريخ . ونفـس الكـلام بالنسـبة لـلإدارة العامـة حيـث أن جـذورها قديمـة قـدم البشرية قبل أن تكون علماً. ونعرض فيما يلي بإيجـاز سـمات الإدارة العامـة والمعـايير الصـارمة التـي كـان يـتم علـى أساسـها اختيـار الموظـف أو الخـادم العــام فــي العصــور القديمــة ومنهــا العهــد النبــوي وعهــد الخلفــاء والعصــر العباسي والأمور حتى عهدنا الحالي نحــن نعــيش اليــوم عصــر الــدول الكبــرى التــي تحــرص علــى توفير أفضل خدمة للمواطنين، ولكي تحقق هذه الدول رسالتها فلابد لها مـن إدارة، والـدول أيـاً كانـت درجـة تقـدمها ونموهـا تحتـاج إلـى إدارة تزيـد مـن فاعليتهـا وكفائتهـا فـي تقـديم الخدمـة العامـة لمواطنيهـا. فمن أهم مقومات الإدارة الناجحة والتي اهتم الإسلام ببيانها: المشاورة وعدم الانفراد بالرأي؛ قال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ [آل عمران: 159]، واختار الرسول صلى الله عليه وآله وسلم نقباء يمثلون بطون المدينة المنورة قبل الهجرة ليكونوا عونًا له صلى الله عليه وآله وسلم يستشيرهم وينظر معهم في إدارة شؤون المجتمع، وعن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “الرأي الفرد كالخيط السَّحيل، والرأيان كالخيطين المبرمين، والثلاثة مرار لا يكاد ينتقض”، فكلما كثُرت المشاورة وأُخِذ الرأي من الخبراء المختصين كلما كان العمل أقرب إلى الصواب وأبعد عن الخطأ، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم الصحابة من بعده قدوة في الاستشارة وعدم الانفراد بالرأي والاستبداد به، والقدوة الحسنة في الإدارة عامل مهم من عوامل نجاحها وفاعليتها(5).
وإذا كان نمط الإدارة الحديث يؤكد على أهمية الرقابة والمتابعة، فإن الإسلام بلغَ أبعدَ من ذلك حين قرَّرَ أن تكون رقابة المسلم من نفسه على عمله؛ لأن عمله يُعرض على الله عز وجل وعلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وكذلك على المؤمنين، وسيُحاسَبُ الإنسانُ على كل ما اقترفت يداه في الآخرة؛ قال تعالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [التوبة: 105]، ولا مانع بعد ذلك من وضع نظم للمراقبة والمتابعة من الإنسان لأخيه الإنسان، فليس كل الناس على درجة واحدة من مراقبة الله عز وجل، فهناك الضعفاء الذين يتحتم في حقهم الرقابة الإنسانية، والمؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف(6).
إن مطالعة آثار التوجيهات الإسلامية في الإدارة يؤدي إلى إدراك ومعرفة تصور الإسلام لهذا الباب الذي هو مفتاح نجاح الأعمال وتحقيق نتائجها المرجُوَّة، وأن الإسلام لم يُفَرِّط في النص على عناصر الإدارة، وإنما كعادته في الشؤون التي تتعلق باجتماع الناس وتختلف باختلاف عاداتهم وطباعهم وتخصصاتهم يضع لها الأطر العامة والقواعد الضابطة، ثم يدع التفصيلات الصغيرة في كيفية التخطيط والتنظيم ووضع آليات الرقابة والمتابعة والمسائلة لحاجة كل عمل ومجموعة ومهمة وما تقتضيه الظروف والإمكانات في كل حالة(7).
رابعاً:الشورى والحوافز وتفويض السلطة من ركائز الإسلام
كانــت الإدارة العامــة فــي عهــد الرســول الكــريم تتســم بالبســاطة وكـان الموظفـون ثلاثـة أنـواع هـم الـولاة و العمـال والقضـاه. وكـان الرسـول يعيـنهم مباشـرة بعـد الاسـتيثاق مـن مقـدرتهم ونـزاهتهم عمـلاً بقولـه تعـالى (إن خيـر مـن اسـتأجرت القـوي الأمـين) سـورة القصـص الآيـة ٢١ . فمبدأ الشورى يعتبر أحد مبادئ الإسلام، وأصل من أصول علاقات العمل، جاء الإسلام يحث على الشورى ، وينهى عن الاستبداد بالرأي قبل أن تعرف أوروبا الشورى بمئات السنين، وفي ذلك يقول سبحانه وتعالى” وشاورهم في الأمر ” ، ويقول أيضا” وأمرهم شورى بينهم ” وجاء في الحديث الشريف ” واستعينوا على أموركم بالمشاورة ” وقد كان عليه الصلاة والسلام من أكثر الناس مشورة لأصاحبه(8).
والمبدأ الثاني الذي أرسى قواعده الإسلام هو العدل الكامل ، فينظر إلى العاملين وأصحاب العمل نظرة واحدة ، لا فرق بين سيد ومسود ، ومقياس التفاضل هو التقوى ، وتطبيقا لذلك المبدأ حرص الإسلام على تحقيق المساواة في الحقوق والواجبات ، فالعاملون متساوون ، وكل حق يقابله واجب. كما أرسى الإسلام مبدأ الحوافز في محيط العمل ، فالعاملون وإن كانوا متساويين بحسب خلقهم الأول ، إلا أنهم يتفاوتون فيما بينهم على أساس تفاوتهم في الكفاية والعلم والأعمال ، ولذلك أوجب الإسلام إعطاء كل عامل حسب كفايته ، يقول الله تعالى ” ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون” وهدف الإسلام من ذلك دفع الناس إلى الكد والعمل(9).
وقد أرسى الإسلام قواعد الطاعة ، وهو مبدأ من مبادئ الإدارة ، لا يمكن بدونه أن تستقيم أمور الجماعات والمنظمات ، وفي ذلك يقول تعالى ” أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ” والطاعة هنا مشروطة بشرط جوهري لأولي الأمر بحيث لا تكون طاعة في معصية الله. ولعل أبرز الأفكار والعمليات الإدارية التي استخدمها الرسول صلى الله عليه وسلم تفويض السلطة ، حيث كان يقوم بإرسال الصحابة إلى القبائل لتفقيههم في أمور الدين الإسلامي ، كما أن عمر يعتبر أول من وضع لبنة التنظيم الإداري بإدخاله نظام الدواوين ، فكان هناك ديوان البريد و المظالم(10).
الخاتمة والتوصيات
يعكس مـا سـبق حقيقـة مهمة وهـي اختيـار الموظـف العـام (أي الذي يخدم عامة الناس) فـي منظمـات الدولـة بنـاءا علـى معـايير محـددة مـع إعطائـه الأجـر المناسـب حتـى يتفـرغ لخدمـة النـاس، وبالتـالي تسـهل محاسبته وبشدة إذا لم يؤدي وظيفته كما يجب . وعنــدما تحيــد الــدول عــن ذلــك (وهــو الــذي حــدث فــي الــدول الناميـة ) لأسـباب كثيـرة تسـوء الخدمـة ويصـبح الموظـف العـام أو الخـادم العـام سـيدا عامـاً يصـعب محاسـبته ويعرقـل أعمـال النـاس .. لقـد انقلـب الوضــع وزادت الشــكوى مــن المنظمــات العامــة لأنهــا اعتمــدت علــى معايير كثيرة في اختيار الموظف العام غير معيار الكفاءة . وضع المسلمون العرب في أوربا قواعد للإدارة الحديثة قائمة على المساواة بين المواطنين، وتقدير العامل في الدولة على أساس كفاءته وإنتاجه، مهما كان أصله أو وضعه الاجتماعي، وعلى ضوء الشريعة السمحاء حطموا الطبقية والعنصرية، وكانت إدارتهم تجمع بين أبناء العرب الأصليين وبين الصقلبي ( أي الروس أو مواطني أوربا الشرقية ) والإسباني والبرتغالي والرومي على السواء في خدمة الشعب تحت راية الإسلام تحقيقا للعدل الشامل.)) من كتاب ” أثر العلماء المسلمين في الحضارة الأوربية ” أحمد علي الملّا.
وإذا كان قد ألمحنا إلى تأثير الحضارة الإسلامية وفضل العرب صُنَّاع هذه الحضارة فى الشرق، فإن فضل الحضارة الإسلامية على الغرب أكبر أثرًا وأشد نصوعً، ذلك أن الحضارة الإسلامية قد أثرت فى العقلية الغريبة بدايةً، وأسهمت الثقافة الإسلامية فى إعادة تشكيلها بعد أن مُنِيَتْ بالجمود والتخلف قرونا عديدة، لم تصحُ ولم تستيقظْ إلا على أيدي الفكر الإسلامي الذي نشره العلماء المسلمون والمفكرون المسلمون فى أورب.
وإذا كان من الشائع أن بيكون هو مؤسس المنهج العلمي الحديث فقد آن الأوان أن يُصَحَّح هذا الرأي، وأن يُعزَى الفضلُ إلى أهله،، وقد فَطِن إلى ذلك عدد من العلماء الأوربيين المحدثين ومنهم جوستاف لوبون صاحب كتاب ” حضارة العرب ” الذى يقول: “لم يلبث العرب بعد أن كانوا تلاميذ معتمدين على كتب اليونان، إذ أدركوا أن التجربة والترصد خير من ألف كتاب “.ويضيف: ويعزى إلى “بيكون ” على العموم أنه أول من أقام التجربة والترصد اللذين هما ركن المناهج العلمية الحديثة، ولكنه يجب أن يُعترَف اليوم بأن ذلك كله من عمل العرب وحدهم، وقد أيَّد هذا الرأي جميع العلماء، الذين درسوا مؤلفات العرب. ويقول “سيديو”: ان أهم ما اتصفت به مدرسة بغداد فى البداءة هو روحها العلمية الصحيحة التى كانت سائدة لأعماله، وكان استخراج المجهول من المعلوم، والتدقيق فى الحوادث مؤديا إلى استنباط العلل من المعلولات وعدم التسليم بما لا يثبت بغير التجربة، مباديء قال بها أساتذة من العرب، وكان العرب فى القرن التاسع من الميلاد حائزين لهذا المنهاج المجدي الذى استعان به علماء القرون الحديثة بعد زمن طويل للوصول إلى أروع الاكتشافات.
كما أسهمت الحضارة الإسلامية فى تشكيل العقلية الأوربية التي أقامت النهضة الأوربية، ولولا ذلك الدور المهم لعلماء الإسلام لتأخر قيام النهضة الأوربية لعدة قرون، ولما قامت الاكتشافات العلمية التي عرفتها أوربا مطلع العصر الحديث.والقضية المهمة التى يجب الالتفات إليها هى أنه فى عصر الازدهار الإسلامي والرقي العلمى والفكرى الذي حققه العرب. كانت أوربا تعيش عصور الظلام والتخلف والضعف والركود العقلي والروحي، وكان لسيطرة الكنيسة على الحياة العامة أثره فى ذلك الركود والتخلف، كما كان للصراع بين الكنيسة والإمبراطورية بالإضافة إلى التنافس على السلطة والنفوذ أكبر الأثر فيما وصل إليه المجتمع الأوربي من ضعف وتفكك. ومن هنا كان المجتمع الأوربي متعطشا للنهضة الفكرية، والانفتاح على روافد جديدة للحضارة والتقدم، وكان في العلم والفن الإسلامي، وفي العربية والترجمات، وانتقال المعرفة الضالة المنشودة لذلك المجتمع.
المراجع
“الإدارة في الحضارة الإسلامية”، islamstory.com، 1-5-2006، اطّلع عليه بتاريخ 27-9-2018.
القطب محمد القطب، نظام الإدارة في الإسلام، القاهرة، 2012، ص ص 5:7.
الإدارة في عصر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم (الطبعة الطبعة: الأولى)، القاهرة: دار السلام ، صفحة 15 .
ساره الناصر، الاداره في الاسلام، المستوى الخامس، جامعة الامام، 2010، ص 220.
محمد عبد الله البرعي، محمود عبد الحميد مرسي، ندوة الإدارة في الإسلام، القاهرة، جامعة الأزهر، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، ص 121.
محمد توفيق رمزي، الاتجاهات الحديثة في القيادة الإدارية وأثرها على الاصلاح الإداري، بحث مقدم لمؤتمر التنمية الإدارية الأول، القاهرة، معهد الإدارة العامة، 2008، ص 55.
“مفهوم الإدارة في الإسلام”، alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 28-9-2018.
http://dar-alifta.org/AR/Viewstatement.aspx?sec=new&ID=4976
https://ar.islamway.net/article
http://aklaam.net/forum/archive/index.php/t-34179.html

محمد بغدادي
باحث دكتوراة
جامعة القاهرة